رمضان والأقصى- مخاوف إسرائيلية متزايدة واقتحامات متوقعة

المؤلف: د. عبد الله معروف11.18.2025
رمضان والأقصى- مخاوف إسرائيلية متزايدة واقتحامات متوقعة
مع اقتراب حلول شهر رمضان المعظم، تستعد الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لهذا الشهر الذي يعتبر الأصعب طوال العام، لا سيما في ظل استمرار الحرب على قطاع غزة، سواء توقف القتال قبل أو أثناء الشهر الفضيل، وفي ظل تصاعد حدة التطرف لدى جماعات المستوطنين واليمين المتطرف في إسرائيل بعد صدمة السابع من أكتوبر، والتي لم تستطع إسرائيل حتى الآن تجاوزها أو معالجة تداعياتها، على الرغم من الخراب الهائل الذي ألحقته بقطاع غزة، والحرب المعلنة ضد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس. لذا، فإن الاستعدادات التي تتخذها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية هذا العام لمواجهة هذا الشهر المبارك تعتبر الأكثر دقة وحساسية منذ الاحتلال الإسرائيلي للمسجد الأقصى عام 1967، نظراً للظروف الاستثنائية التي تمر بها المنطقة.
الموسم الرمضاني القادم سيتزامن مع عدة مناسبات للاقتحامات في المسجد الأقصى، أبرزها عيد المساخر "البوريم" الذي يصادف منتصف شهر رمضان، وعلى الرغم من أنه ليس من بين الاقتحامات الكبرى عادةً، إلا أن تزامنها هذا العام مع شهر رمضان وتداعيات معركة "طوفان الأقصى" يمنحها أهمية خاصة لدى جماعات الهيكل المتطرفة.
تجدر الإشارة إلى أنه فيما يخص شهر رمضان المبارك في المسجد الأقصى، فإن سلطات الاحتلال تتعامل مع مستويين من التحديات:
  • المستوى الأول: يتمثل في الشباب المقدسي، ومعهم عادةً فلسطينيون من مناطق الخط الأخضر، الذين يفترض أنهم قادرون في الظروف الطبيعية على الوصول إلى المسجد الأقصى المبارك بحكم حيازتهم على هويات إسرائيلية.
هؤلاء الشباب المقدسيون، على وجه الخصوص، يشكلون في الغالب العبء الأمني الأكبر للأجهزة الأمنية الإسرائيلية في المسجد على مر السنوات الماضية. فهم يعتبرون أنفسهم في صراع دائم مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وقد كانوا في طليعة المواجهات المتكررة مع قوات الاحتلال داخل المسجد الأقصى المبارك.
  • أما المستوى الثاني: فيتعلق بالفلسطينيين من سكان الضفة الغربية، الذين تمنعهم إسرائيل عادةً من حرية الوصول إلى المسجد الأقصى، باستثناء شهر رمضان المبارك، حيث تسمح سنوياً لأعداد محدودة من الفلسطينيين - من فئات عمرية معينة من الرجال أو من حاملي التصاريح الأمنية أو من النساء - بأداء الصلاة في المسجد الأقصى المبارك أيام الجمعة تحديدًا.
هذا المستوى لا يشكل عادةً التحدي الأمني الأكبر لسلطات الاحتلال كل عام، إلا على مستوى زيادة الأعداد في المسجد، مما يشجع التحركات الجماهيرية للشباب المقدسي داخل المسجد، استغلالاً لوجود الحشود الكبيرة من الناس، وهو ما تخشاه سلطات الاحتلال وتحسب حسابه كل عام. فعندما تكون الأعداد في المسجد الأقصى محدودة، يسهل ذلك السيطرة الأمنية الإسرائيلية على المسجد بشكل عام، ويضمن لها القدرة على ضبط الحركة ووقف أي احتكاكات أو اشتباكات وتفريقها بسهولة. إلا أن زيادة الأعداد داخل المسجد يمثل تحديًا أمنيًا كبيرًا، نظرًا لعدم قدرة شرطة الاحتلال على التحكم في حركة الجماهير، خاصة في حالات الاضطرابات الأمنية التي شهدها المسجد في رمضان عام 2021 على سبيل المثال. الخلاصة، أن إسرائيل تتوجس من شهر رمضان المبارك، وتعتبره من أثقل شهور السنة عليها، فكيف ستتعامل معه هذا العام في ظل الأحداث المتسارعة التي تشهدها المنطقة منذ السابع من أكتوبر؟ ولذلك، يبدو أن إسرائيل بدأت استعداداتها العملية لهذه المرحلة مبكرًا، من خلال تسريب أنباء عن وجود خلافات بين الجيش والشرطة حول السماح لفلسطينيي الضفة الغربية بالوصول إلى الأقصى في شهر رمضان القادم. هذا ما نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" قبل أيام، حيث زعم الصحفي الإسرائيلي إيتمار أيكنار بأنه في حين تسعى شرطة الاحتلال - التي تعمل تحت إمرة الوزير إيتمار بن غفير - إلى تطبيق سياسة "صفر فلسطينيين"، أي منع جميع سكان الضفة الغربية من الوصول إلى المسجد الأقصى في رمضان، ترى قيادة الجيش الإسرائيلي ضرورة السماح لأعداد محدودة من سكان الضفة بالوصول إلى الأقصى لتخفيف الضغط الشديد في الضفة الغربية. أرى أن هذه التسريبات مقصودة وتهدف إلى التحضير لتقييد وصول سكان الضفة الغربية إلى القدس هذا العام بشكل شبه كامل، على الرغم مما تدعيه "يديعوت أحرونوت" حول وجود خلافات، لأن هذه الخلافات لا تتعلق بالمبدأ بل بالكمية، بمعنى أن الخلاف يدور حول ما إذا كان ينبغي لإسرائيل أن تسمح لعدد قليل جدًا من سكان الضفة بالوصول إلى الأقصى، أم أن يتم منعهم جميعًا؟ وهذا أمر متوقع، إذ من غير المنطقي أن تضاعف إسرائيل اعتداءاتها اليومية على مدن الضفة الغربية، ثم تفتح أبواب مدينة القدس على مصراعيها لسكان الضفة، بينما القدس مغلقة أمام سكانها الفلسطينيين أنفسهم. أما الهدف من هذه التسريبات في تقديري، فهو تهيئة الرأي العام الفلسطيني لتوقع الإجراءات التي تستعد لها قوات الاحتلال في شهر رمضان المبارك بحق الفلسطينيين، لمنعهم وإقصائهم عن المسجد. وفي الواقع، هناك أهداف أخرى خفية لا تعلن عنها سلطات الاحتلال، وقد تكون هي الأهداف الحقيقية الكامنة وراء هذه الإجراءات. فالموسم الرمضاني القادم سيتداخل مع عدة مناسبات للاقتحامات في المسجد الأقصى، وأولها عيد المساخر "البوريم" الذي يحل في منتصف شهر رمضان، وعلى الرغم من أنه ليس من بين الاقتحامات الكبرى في العادة، إلا أن تزامنها هذا العام مع تحدي شهر رمضان ومعركة "طوفان الأقصى" يمنحها أهمية خاصة لدى جماعات الهيكل المتطرفة وتيار الصهيونية الدينية اليميني والتيار الكاهاني الذي يعتبر وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير أحد أهم أركانه. وبالتالي، سيكون هذا الموسم بمثابة فرصة لإيتمار بن غفير لاستعراض قوته في المسجد الأقصى، وإثبات قدرته على فرض السيادة الإسرائيلية على المسجد الأقصى بما لم يتمكن منه حتى بنيامين نتنياهو نفسه، وقد تكون هذه فرصة ذهبية لبن غفير ليقدم نفسه زعيماً لليمين في إسرائيل، وهو ما سعى إليه الرجل منذ توليه منصبه الوزاري، وخاصة منذ بدء الحرب الجارية. ستكون هذه المحطة حاسمة للغاية، إذ ستقوم الحكومة اليمينية الإسرائيلية بتقييمها بشكل كامل، استعدادًا للمحطة التالية بعد انتهاء شهر رمضان المبارك مباشرة، وهي مناسبة عيد الفصح اليهودي الذي يصادف الفترة من 23 إلى 30 أبريل القادم، أي بعد أسبوعين فقط من نهاية شهر رمضان المبارك. وستحاول فيه جماعات الهيكل المتطرفة هذا العام تنفيذ القرابين الحيوانية داخل المسجد الأقصى بجدية أكبر من ذي قبل، مستغلة نهاية موسم شهر رمضان وعودة أعداد المسلمين إلى الانخفاض بعد انتهاء الشهر، بالإضافة إلى الأجواء المشحونة بالحرب التي تعيشها المنطقة. إذن، يمكن القول هنا أن حكومة الاحتلال تواجه تحديًا كبيرًا في شهر رمضان المبارك لتقليل أعداد المسلمين بشكل كبير خلال الشهر وتنفيذ اقتحامات عيد المساخر إلى الحد الذي تعتبره نجاحًا. ونجاحها في هذا المسعى يعني حتمًا فتح شهيتها لتحقيق حلم قديم عجزت عن تحقيقه على مدار سنوات طويلة ماضية بمجرد انتهاء شهر رمضان، وهو تنفيذ طقوس ذبح القرابين الحيوانية داخل المسجد وإتمام آخر طقس ديني توراتي متبقٍ لها لتثبيت تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى وتحويله إلى معبد يهودي معنويًا، بحيث تنتقل منذ تلك اللحظة إلى العمل على تحويله إلى معبد ماديًا، إما باقتطاع جزء من أرض المسجد الأقصى كمقدمة لهذا الغرض، أو بالسيطرة الكاملة على نصف مساحة المسجد على الأقل، كما تحلم إسرائيل منذ أكثر من خمسة وخمسين عامًا. وهذا ما ستعتبره إسرائيل انتصارًا جوهريًا حتى في الحرب الحالية، بالنظر إلى أن المقاومة الفلسطينية وضعت المسجد الأقصى المبارك على رأس الأهداف الإستراتيجية التي حددتها لعملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر الماضي. هذا الأمر يضع الكرة في ملعب المقدسيين والشعب الفلسطيني في الضفة الغربية، حيث إن قدرة إسرائيل على تنفيذ جميع هذه الخطوات مرهونة بكيفية تعامل الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس والداخل الفلسطيني مع الإجراءات الإسرائيلية المتوقعة في المسجد الأقصى خلال شهر رمضان المبارك القادم. ينبغي التذكير هنا بأن تصاعد الروح الدينية لدى المسلمين خلال شهر رمضان يعتبر الأمر الأهم الذي تخشاه إسرائيل. لأن هذه الروح هي التي تدفع الفلسطينيين في تلك الأيام بالذات إلى تكثيف الاستعدادات النفسية والشعبية على حد سواء لتحدي الإجراءات الإسرائيلية إلى أقصى درجة، وهذا ما لا تريده إسرائيل، لأن أي شرارة كبيرة في القدس قد تشعل انتفاضة جديدة أو تؤدي إلى توسيع نطاق الحرب إلى الحد الذي لا تستطيع إسرائيل ولا حلفاؤها الوقوف في وجهه.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة